مشاكل تراكم ثاني اكسيد الكربون وحلول علمية
تراكمت ملايين الأطنان من غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بفعل الثورة الصناعية مؤدية الى حدوث تغيرات حادة في المناخ العالمي، حيث يقدر ارتفاع تركيز هذا الغاز من 280 جزءا من المليون منذ بداية الثورة الصناعية إلى 400 جزء من المليون حاليا.
ومن المتوقع أن يستمر هذا الرقم بالارتفاع نظرا لاستمرارية حرق المزيد من الوقود الملوث للبيئة ، وتوسع نشاطات الإنسان الصناعية المختلفة سواء في عملية إنتاج الطاقة الكهربائية من الوقود الأحفوري أو في الصناعات الثقيلة كالحديد والصلب والإسمنت وغيرها أو كذلك من وسائط النقل المختلفة ، وهنا نشير الى أن السيارة الواحدة تطلق في المتوسط وخلال فترة حياتها نحو مائة طن من هذا الغاز.
هذا وما زال إنتاج الطاقة من مصادر متجددة وصديقة للبيئة أقل بكثير من حاجة الإنسان المتزايدة للطاقة التي يتم إنتاج غالبيتها من الوقود الأحفوري (فحم ونفط وغاز) وهو المتسبب لانطلاق كميات هائلة من غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء ، كما يتوقع أن يبقى الوقود الأحفوري مصدرا هاما للطاقة خلال القرن الحالي نظرا لاكتشاف مصادر جديدة منه وتحسين طرق استخراجه وإنتاجه.
[youtube src='17GijSXAVSs' width='100%' height='300'][/youtube]
فيديو يوضح بعض الطرق المتبعة لتقليل تركيز ثاني اكسيد الكربون من الهواء الجوي
ويسعى العلماء والباحثون حاليا إلى تقليل تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء لوقف التزايد المضطرد في درجة حرارة الأرض ، إذ يتطلعون لتبقى نسبة الغاز الكربوني في الهواء بحدود 380 جزءا في المليون كخطوة اولى في المعالجة.
وقد سُن لهذه الغاية عدد من البروتوكولات والإجتماعات الدولية للحد من انبعاثات هذا الغاز ، كما تم تحسين جودة حرق الوقود الأحفوري وابتكار وسائل نقل حديثة تستهلك كميات قليلة من الوقو د ، بالاضافة الى دعم مشاريع الطاقة البديلة وغيرها من الإجراءات التي لم تستطع أن تمنع تراكم مزيد من الغاز الكربوني في الهواء الجوي ، من هنا تم اقتراح امتصاص جزء من هذا الغاز من الغلاف الجوي تماما كما تفعل أشجار الغابات لكن بكفاءة أعلى.
ولقد اهتم عدد من مراكز الأبحاث بتكنولوجيا امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء ، ومنها معهد جورجيا للتقنية وجامعة كالكاري في كندا وجامعة كولومبيا ومركز التقنية المتقدمة في أريزونا والمعهد السويسري الفدرالي للتقنية في زيوريخ.
وترتكز هذه التقنية على تمرير الهواء الجوي على مرشحات تحتوي على مواد امتصاص انتقائية قادرة على امتصاص الغاز الكربوني فقط من الهواء ، وهي تشبه في عملها أجهزة الامتصاص الموجودة في الغواصات والمركبات الفضائية لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الهواء لكن على نطاق أكبر وأكثر فاعلية بحيث تمتص أطنانا عدة من الغاز الكربوني في اليوم.
من جهة اخرى أفاد تقرير لعلماء أوروبيين أن فرص نجاح تقنيات تجميع ثاني أكسيد الكربون من الجو للمساعدة في معالجة مشكلة "الاحتباس الحراري" محدودة ويتعين بذل مزيد من الجهود للحد من الانبعاثات ، فمع تزايد الحاجة للتصدي بشكل عاجل لمشكلة تغير المناخ ، ينصب مزيد من الاهتمام على مقترحات اللجوء لتقنيات مناخية تتنوع بين رش كيميائيات في أعلى الغلاف الجوي لتخفيف أشعة الشمس إلى جمع وتخزين ثاني أكسيد الكربون تحت الأرض ، كما أفاد التقرير أن "التقنيات القادرة على سحب ثاني أكسيد الكربون من الجو ليست بالتأكيد علاجاً سحرياً ، وهو ما يجب أن يقود أصحاب القرار إلى جهود جديدة لتسريع خفض الانبعاثات".
تصميمات مبتكرة
تم تصميم نماذج عدة لآلات امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون ذات كفاءات متباينة، ومنها النموذج الذي تم تطويره في جامعة كولومبيا والذي يتكون من ألواح عليها طبقات من ألياف راتنجية لمادة ماصة، كأيونات الكربونات السالبة الشحنة، وبعرض متر وارتفاع 2.5 متر وموضوعة على سكة دائرية بقطر 12 مترا، تتحرك بشكل دائري ويخترقها تيار قوي من الهواء الجوي.
(والراتنج تعريب لكلمة (resin) وهي مركبات عضوية ذات لزوجة تتصلب لدى التعرض للهواء حيث تصبح مواد صلبة غير متبلورة وهشة، وهذه المركبات تحتوي على كربون وهيدروجين وأوكسجين، ولا تنحل في الماء، لكنها تنحل في الايثر والمذيبات العضوية، ولها استعمالات متعددة في الصناعات الكيميائية ومن تلك الاستعمالات استخدام بعض الراتنجات في محطات تحلية المياه).
ولدى تشبع المواد الماصة بالغاز الكربوني، تنزل الألواح إلى أسفل في حاوية خاصة لتجريدها من الغاز الكربوني، وتوضع بدلا منها ألواح جديدة لاستمرار عملية امتصاص الغاز من الهواء، أما الغاز الذي تم تجريده فيتم ضغطه وتحويله إلى سائل ويوضع في أسطوانات خاصة.
إلا أن المعضلة التي تواجه هذه التقنية هي في عملية تحرير غاز ثاني أكسيد الكربون من المواد الماصة، وهي عملية مكلفة ماديا، وتتركز الأبحاث الآن على خفض تلك التكاليف، وقد تم مؤخرا استخدام مواد ماصة كيميائية تستطيع الارتباط بقوة مع غاز ثاني أكسيد الكربون وفي نفس الوقت تستطيع تحرير الغاز منها بسهولة، وهذه المواد الماصة قد تكون سائلة أو صلبة.
ومن تلك المواد الكيميائية الماصة للغاز الكربوني، هيدروكسيد الصوديوم السائل، إلا أن تحرير الغاز منه عملية صعبة ومكلفة حيث يجب نزع ثاني أكسيد الكربون من كربونات الصوديوم أو كربونات الصوديوم الهيدروجينية المتكونتين، وذلك لإعادة استخدام مادة الامتصاص من جديد.
ولتسهيل عملية الامتصاص والنزع للغاز الكربوني، تم تصميم مبادلات راتنجية أيونية، هي عبارة عن بوليمرات كربونية جافة تتحول إلى كربونات حامضية لدى امتصاص الغاز الكربوني، ويتم التحرير للغاز بواسطة الماء.
هذا ويسعى الباحثون الآن إلى تخفيض كلفة عملية امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون، حيث تبلغ حاليا نحو مائتي دولار للطن الواحد، ويتوقع أن تنخفض إلى ثلاثين دولارا للطن الواحد مع تطور هذه التقنية، التي يجب مراعاة أن يكون استهلاكها للطاقة قليلا بحيث لا تتسبب بإضافة مزيد من الكربون في الغلاف الجوي، ويتوقع أن يتم نشر مليون وحدة منها في العالم.
الغاز الكربوني
على الرغم من أن الهدف الأول من هذه التقنية هو امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي لحماية البيئة من آثاره المدمرة للنظام البيئي، فإنه يمكن استخدام هذا الغاز في عدد كبير من الصناعات الهامة وبجدوى اقتصادية، كإنتاج الغاز الاصطناعي وهو نوع من الوقود لوسائط النقل مكونٌ من أول أكسيد الكربون وهيدروجين، ويستخدم حاليا في عدد من دول العالم، كما يستخدم كمادة أولية لإنتاج أنواع أخرى من الوقود.
كذلك يمكن استخدام الغاز الكربوني الممتص من الهواء في صناعة الثلج الجاف وكمحفز لنمو النباتات في المزارع المحمية، وكمذيب كيميائي وكسائل تبريد وفي صناعة المياه الغازية وبعض المواد الغذائية، كما يستخدم -وعلى نطاق واسع- في عمليات رفع إنتاجية النفط الخام من الآبار، والفائض من هذا الغاز يمكن تخزينه في باطن الأرض وفي آبار النفط والغاز المستنفدة.
والسؤال المطروح : هل التخلص من ثاني أكسيد الكربون قد يحل أزمة تغير المناخ؟
المراجع:
1- مقالة منشورة في الجزيرة نت "للمهندس أمجد قاسم" كاتب علمي متخصص في هندسة تكنولوجيا الصناعات الكيميائية
2- لندن – رويترز
موضوع جميل ومفيد
ردحذف